-->

من طرائف ونوادر الخليفة هارون الرشيد مع الشاعر ابو نواس

***** 1 *****
ينما كان أمير المؤمنين هارون الرشيد في مجلسه وعن يمينه ويساره الوزراء والعظماء وأصحاب الرأي عنده. دخل عليه حاجبه معلنا قدوم أبي نواس، فقال الخليفة: دعه ينتظر قليلا. ثم نظر الى جلسائه وقال: هذه فرصة سانحة نضحك فيها على أبي نواس. حيث سأستحضر لكل منكم بيضة تخبوئنها في طيات ثيابكم حتى أذا دخل أبو نواس يتحدث كل واحد منكم في موضوع تافه، فيتكلم أحدكم كلمة أغضب عليكم عند سماعها، وأقول: يا لكم من ضعاف مثل الفراخ. تالله أذا لم تفعلوا مثل الدجاج ويبيض كل منكم بيضة لاقطعن رقابكم. فقالوا: سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين. 
وعندئذ طلب الخليفة الحاجب وقال له: اذهب فاستحضر ست بيضات، ولا تدع أحدا يراك، خصوصا أبو نواس، فخرج الحاجب. وعاد منفذا أمر الخليفة وأعطى لكل من الجالسين بيضة، خبأها بين طيات ثيابه، وجلسوا ينتظرون  ودخل أبو نواس فسلم على أمير المؤمنين سلام الخلافة، وأظهر الرشيد انتباهه الى حديث جلسائه، ونطق أحدهم بكلمة. فغضب منها الخليفة غضبا شديدا فصاح بهم: ويحكم أيها الجبناء انكم مثل الدجاج، ولا أجد فرقا بينكم وبينهم، والله ان لم يبيض كل منكم بيضة لاقطعن رقابكم. فأظهروا الاضطراب والخوف، وأخذوا يفعلون كما تفعل الفراخ. 
وبعد قليل مد الاول منهم يده الى مؤخرته، فأخرج بيضة وقال: هاهي بيضتي ياأمير المؤمنين وأعقبه الثاني والثالث الى السادس، وكان الخليفة يقول لكل من يقدم بيضه: قد نجوت. ولما جاء دور أبو نواس وقف على قدميه ومشى حتى توسط الجميع، وصار أمام الخليفة وجها لوجه، ثم صار يقول: كاك، كاك، كاك. كما يفعل الديك بين زوجاته الدجاج، ثم ضرب ابطيه على بعضهما، وصاح بأعلى صوته كما يفعل الديك تماما، وقال كوكو، كو. فقال الخليفة: ما هذا يا أبو نواس. فقال أبو نواس: عجبا يا أمير المؤمنين، هل رأيت دجاجا تبيض من غير ديك هؤلاء فراخك وانا ديكهم. فضحك الخليفة حتى كاد يسقط عن كرسيه، وقال له: يالك من خبيث ماكر، تالله لو لم تكن فعلت ذلك لعاقبتك. ثم امر له بهدية ومال، معجبا بذكائه.
*****2*****
دخل ابو نواس على الخليفة هارون الرشيد، وهو يريد ان ينشده قصيدة طامعاً في بعض المال ولكنه وجد الخليفة مشغولا بمداعبة احدى جواريه، تسمى خالصة، وكانت قد وضعت على عنقها عقدا نفيساً، ولم يعر الخليفة اي انتباه لما قاله ابونواس، فخرج ابو نواس من عند الخليفة غاضبا، صفر اليدين، فكتب على باب الخليفة البيت الشعري التالي:
لقد ضاع شعري على بابكم  *** كما ضاع العقد على صدر خالصة
وانصرف
فرأت الجارية البيت الشعري المكتوب على الباب، فغضبت واسرعت الى الخليفة مشتكية، فغضب الخليفة اشد الغضب، وارسل في الحين يطلب ابو نواس للحضور، وعندما حضر عند الخليفة كان يعلم الامر وما سيجري له.
لكن فطنة وذكاء ابو نواس انقذته، فعندما وصل الى الباب مسح الجزء الادنى من حرف العين في كلمة (ضاع) قبل ان يدخل، فانقلب الشعر كالتالي:
لقد ضاء شعري على بابكم  ***  كما ضاء العقد على صدر خالصة
فبدل ان يعاقبه الخليفة فقد اكرمه لذكائه وفطنته.
*****3*****
ذات مرة اراد الخليفة ان يختبر أبا نواس فقال له:
يا أبا نواس هل تصنع شعرا لا قافية له..!!؟؟
قال أبو نواس
نعم، و صنع من فوره ارتجالَا:
ولقد قلتُ للمليحة قُولي من بعيدٍ لمن يُحبكِ (مُچْ مُچ(.
وما بين القوسين هو صوت القُبلة.
فأشارت بمعصمٍ ثم قالت من بعيدٍ خلاف قولي (نُچْ نُچْ(.
وما بين القوسين هو صوت الامتناع والرفض بمعنى لا لا.
فتأملتُ ساعةً ثم إني قلتُ للبغل عند ذلك ( چُچ چُچْ(.
وما بين القوسين هو صوت زجر البغل ليتحرك ويمشي.
فتعجب جميع من حضر المجلس من حسن نظمه. وكفأه الخليفة وأجزل عليه العطاء.
*****4*****
 بينما كان الخليفة هارون الرشيد يتجول ليلا في شوارع العاصمة، شاهد أبا نواس وفي يده زجاجة من الخمر، فسأله: ماذا في يدك يا أبا نواس.
فأجاب: زجاجة لبن يا أمير المؤمنين.
فقال الخليفة: وهل اللبن أحمر اللون.
فقال: أحمرت خجلا منك يا أمير المؤمنين.
فأعجب الخليفة من بداهته، وسرعة رده، وعفا عنه بعد ان وبخه بالموعظة الحسنة.