قصة ابو الدحداح وبيع بستان النخيل
بينما ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺟﺎﻟﺴﺎً ﻭﺳﻂ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﺇﺫ ﺩﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺎﺏٌّ ﻳﺘﻴﻢٌ ﻳﺸﻜﻮ ﺇﻟﻴﻪ ﻗﺎﺋﻼً: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﻛﻨﺖ ﺃﻗﻮﻡ ﺑﻌﻤﻞ ﺳﻮﺭ ﺣﻮﻝ ﺑﺴﺘﺎﻧﻲ ﻓﻘﻄﻌﺖ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻧﺨﻠﺔٌ ﻫﻲ ﻟﺠﺎﺭﻱ، ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻛﻬﺎ ﻟﻲ ﻟﻜﻲ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﻓﺮﻓﺾ، ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺒﻴﻌﻨﻲ ﺇﻳﺎﻫﺎ ﻓﺮﻓﺾ.
ﻓﻄﻠﺐ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻮﻩ ﺑﺎﻟﺠﺎﺭ، ﺃُﺗﻲ ﺑﺎﻟﺠﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﻗﺺ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺷﻜﻮﻯ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ، ﻓﺼﺪَّﻕ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ، ﻓﺴﺄﻟﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻙ ﻟﻪ ﺍﻟﻨﺨﻠﺔ ﺃﻭ ﻳﺒﻴﻌﻬﺎ ﻟﻪ، ﻓﺮﻓﺾ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻓﺄﻋﺎﺩ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﻗﻮﻟﻪ: (ﺑِﻊْ ﻟﻪ ﺍﻟﻨﺨﻠﺔ ﻭﻟﻚ ﻧﺨﻠﺔٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻳﺴﻴﺮ ﺍﻟﺮﺍﻛﺐ ﻓﻲ ﻇﻠﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ)، ﻓﺬُﻫِﻞَ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﺍﻟﻤﻐﺮﻱ ﺟﺪﺍً.ﻓﻤﻦ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﻟﻪ ﻧﺨﻠﺔ ﻛﻬﺬﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ؟
ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﺎﻭﻳﻪ ﻧﺨﻠﺔٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻧﺨﻠﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ؟ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺭﻓﺾ ﻣﺮﺓً ﺃﺧﺮﻯ ﻃﻤﻌﺎً ﻓﻲ ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﺘﺪﺧﻞ ﺃﺣﺪ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ، ﻭﻳﺪﻋﻰ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ: ﺇﻥ ﺃﻧﺎ ﺍﺷﺘﺮﻳﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺨﻠﺔ ﻭﺗﺮﻛﺘﻬﺎ ﻟﻠﺸﺎﺏ ﺃﻟﻲ ﻧﺨﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ؟ ﻓﺄﺟﺎﺏ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ ﻟﻠﺮﺟﻞ: ﺃﺗﻌﺮﻑ ﺑﺴﺘﺎﻧﻲ ﻳﺎ ﻫﺬﺍ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻧﻌﻢ، ﻓﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺑﺴﺘﺎﻥ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ، ﺫﺍ ﺍﻟﺴﺘﻤﺎﺋﺔ ﻧﺨﻠﺔ ﻭﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻤﻨﻴﻒ ﻭﺍﻟﺒﺌﺮ ﺍﻟﻌﺬﺑﺔ ﻭﺍﻟﺴﻮﺭ ﺍﻟﺸﺎﻫﻖ ﺣﻮﻟﻪ، ﻓﻜﻞ ﺗﺠﺎﺭ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻳﻄﻤﻌﻮﻥ ﻓﻲ ﺗﻤﺮ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ ﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺟﻮﺩﺗﻪ. ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ: ﺑﻌﻨﻲ ﻧﺨﻠﺘﻚ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺑﺴﺘﺎﻧﻲ ﻭﻗﺼﺮﻱ ﻭﺑﺌﺮﻱ ﻭﺣﺎﺋﻄﻲ.
ﻓﻨﻈﺮ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻏﻴﺮ ﻣﺼﺪﻕ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻌﻪ، ﺃﻳُﻌﻘﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻳﺾ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ﻧﺨﻠﺔ ﻣﻦ ﻧﺨﻴﻞ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻧﺨﻠﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻓﻴﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻔﻘﺔ ﻧﺎﺟﺤﺔ ﺑﻜﻞ ﺍﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ، ﻓﻮﺍﻓﻖ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺃﺷﻬﺪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﻊ، ﻭﺗﻤﺖ ﺍﻟﺒﻴﻌﺔ . ﻓﻨﻈﺮ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﻌﻴﺪﺍً، ﺳﺎﺋﻼً: (ﺃﻟﻲ ﻧﺨﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ؟ ). ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ: (ﻻ)، ﻓﺒُﻬِﺖَ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ ﻣﻦ ﺭﺩ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺛﻢ ﺍﺳﺘﻜﻤﻞ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻗﺎﺋﻼً ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎﻩ: (ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺮﺽ ﻧﺨﻠﺔ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻧﺨﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﺃﻧﺖ ﺯﺍﻳﺪﺕ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺒﺴﺘﺎﻧﻚ ﻛﻠﻪ، ﻭَﺭَﺩَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﻣﻚ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺫﻭ ﺍﻟﺠﻮﺩ، ﺑﺄﻥ ﺟﻌﻞ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﺴﺎﺗﻴﻦ ﻣﻦ ﻧﺨﻴﻞ ﻳُﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﻋﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺗﻬﺎ). ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ: (ﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺪﺍﺡ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ). ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﺡ ﻫﻨﺎ – ﻫﻲ ﺍﻟﻨﺨﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﻘﻠﺔ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻤﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﻭﻇﻞ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻜﺮﺭ ﺟﻤﻠﺘﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮﺓ، ﻟﺪﺭﺟﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺗﻌﺠﺒﻮﺍ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻨﺨﻴﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺼﻔﻬﺎ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻷﺑﻲ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ، ﻭﺗﻤﻨﻰ ﻛُﻞٌّ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺃﺑﺎ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ.ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎﺩ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ ﺇﻟﻰ ﺍﻣﺮﺃﺗﻪ، ﺩﻋﺎﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻤﻨـﺰﻝ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻬﺎ: (ﻟﻘﺪ ﺑﻌﺖ ﺍﻟﺒﺴﺘﺎﻥ ﻭﺍﻟﻘﺼﺮ ﻭﺍﻟﺒﺌﺮ ﻭﺍﻟﺤﺎﺋﻂ)، ﻓﺘﻬﻠﻠﺖ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒر، ﻓﻬﻲ ﺗﻌﺮﻑ ﺧﺒﺮﺓ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ، ﻭﺳﺄﻟﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﻤﻦ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ: (ﻟﻘﺪ ﺑﻌﺘﻬﺎ ﺑﻨﺨﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻳﺴﻴﺮ ﺍﻟﺮﺍﻛﺐ ﻓﻲ ﻇﻠﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ) . ﻓﺮﺩﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺘﻬﻠﻠﺔً : (ﺭﺑﺢ ﺍﻟﺒﻴﻊ ﺃﺑﺎ ﺍﻟﺪﺣﺪﺍﺡ – ﺭﺑﺢ ﺍﻟﺒﻴﻊ).
---------------------
ﻓﻤﻦ ﻣﻨﺎ ﻳﻘﺎﻳﺾ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﺑﺎﻵﺧﺮﺓ؟ ﻭﻣﻦ ﻣﻨﺎ ﻣُﺴﺘﻌﺪ ﻟﻠﺘﻔﺮﻳﻂ ﻓﻲ ﺛﺮﻭﺗﻪ ﻭﻣﻨـﺰﻟﻪ ﺃﻭ ﺳﻴﺎﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺷﻲﺀٍ ﺁﺟﻞٍ ﻟﻢ ﻳﺮﻩ؟ ﺇﻧﻪ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ ﻭﺗﻠﻚ ﺩﺭﺟﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻻ ﺗُﻨﺎﻝ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻴﻘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍﻷﺣﺪ، ﻻ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺑﺤﻄﺎﻡ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻔﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻫﻨﺎ ﺍﻻﻣﺘﺤﺎﻥ ﻭﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭ.
ﺃﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﻋﺒﺮﺓ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﻘﺮﺃﻫﺎ، ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﺗﺴﺎﻭﻱ ﺃﻥ ﺗﺤﺰﻥ ﺃﻭ ﺗﻘﻨﻂ ﻷﺟﻠﻬﺎ، ﺃﻭ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺿﻐﻂ ﺩﻣﻚ ﻣﻦ ﻫﻤﻮﻣﻬﺎ... ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻛﻢ ﻳﻨﻔﺪ ﻭﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻕ.